المعنى الحقيقي ﻠ"نعم" في الاستفتاء

في أول تصويت بعد الإطاحة بحسني مبارك، رئيس مصر منذ زمن طويل، تبين أن الأغلبية الساحقة بنسبة 77% من الناخبين، أي ما يقرب من 14 مليون من أصل 18،5 مليون شاركوا في الانتخابات، صوتوا ﺒ "نعم" على تسعة تعديلات دستورية مقترحة. ورغم استمرار النقاش حول النتائج وآثارها المحتملة، يظل عنصر واحد مؤكداً: وهو أن الاستفتاء يوم السبت الماضي كان بمثابة تمثيل قوي لتقدم مصر نحو إدراج العملية الديمقراطية الحقيقية في تحديد مستقبلها السياسي.

وقف الناخبون المصريون يوم التصويت، ومن بينهم العديد من النساء اللاتي خرج بعضهن للتصويت للمرة الأولى، بصبر وهدوء في الصفوف. وردت بعض التقارير عن حدوث بعض المشاحنات والانفلات عند صناديق الاقتراع. غير أن روايات شهود العيان أكدت حرص المواطنين على المشاركة في التصويت وممارسة حقهم الديمقراطي في الموافقة أو عدم الموافقة على التعديلات.

أظهر الاستفتاء أيضاً تأثير الحملات العدوانية التي تقوم بها الأطراف ذات الثقل. فقد كانت جماعات مثل الإخوان المسلمون والحزب الوطني الديمقراطي في غاية التنظيم وقد اجتهدت لنشر فكرة الموافقة على حزمة التعديلات. شمل هذا الجهد إغراق الأحياء المصرية بالملصقات وبث الحملات الإعلامية. وفي استطلاع الرأي، كان من الواضح أن العديدين يصوتون بغرض مواصلة "دفع مصر إلى الأمام" بسرعة وإعادتها إلى الحكم المدني. غير أن الناخبين لم يكونوا واثقين من تأثير نتائج الاستفتاء على حقوقهم الشخصية أو التقدم السياسي في مصر على المدى الطويل.

في هذه الأثناء، كانت المعارضة تشجع على التصويت ﺒ "لا" إلا أنها لم تبذل الكثير من الجهد للوصول إلى دوائر الناخبين الكبرى. لو كانت التعديلات قد رُفضت، لتم تأجيل الانتخابات على الأقل حتى ديسمبر أو حتى يمكن للجنة أن تقترح دستوراً جديداً تماماً، وهو بالفعل ما يأمله العديدون ممن أشعلوا فتيل الثورة. وقد وصل الأمر بالبعض إلى تسمية الدستور الحالي ﺒ"دستور الدكتاتور".

وحثت معظم المعارضة والعديد من نشطائها البارزين، بمن فيهم عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية المنتهية ولايته، ومحمد البرادعى، وائتلاف شباب الثورة، على إلغاء الاستفتاء، مشيراً إلى أن التعديلات لم تقدم ما يكفي للحد من صلاحيات الرئيس. وعلاوة على ذلك، فلابد من الموافقة على أو رفض التعديلات ككل، وليس النظر فيها بشكل منفصل، مما تسبب في أن يضطر أولئك الذين وافقوا على معظم التعديلات للتصويت لصالح تمريرها جميعاً. وقد اتخذت بعض التدابير لنشر الرسالة، بما في ذلك مقطع فيديو "قل لا"، الذي تم تداوله على موقع يوتيوب والذي ظهر فيه عمرو موسى. ومع ذلك، يبدو أنه لم ينجح بالقدر الكافي في الوصول إلى الفئات المهمشة أو في إقناع أولئك الذين يخشون من استمرار الحكم العسكري أو عدم الاستقرار لفترات طويلة في انتظار الدستور الجديد. وقد تجلت بوضوح الحاجة إلى ممارسة المزيد من الضغط والانخراط في نقاشات أكبر، من خلال المزيد من الحملات الإعلامية على نطاق واسع.

من بين المسأئل الجوهرية المطروحة على طاولة الاستفتاء والتي تمت الموافقة عليها فيما بعد هو توقيت الانتخابات البرلمانية والرئاسية، اللتين ستعقدان في سبتمبر وديسمبر على التوالي. فالتعجيل بإجراء الانتخابات لن يفسح الكثير من الوقت لظهور أحزاب جديدة من تحت عباءة الثورة ولبناء الدوائر والمنصات في استجابة لحقوق الإنسان البارزة والأولويات الاقتصادية. كما أن قصر المهلة المتبقية حتى الانتخابات من شأنه أن يعزز قوة الأحزاب الراسخة والقوى القائمة. تعتمد هذه الجماعات على الأصوات من الدوائر الأساسية التي اجتهدت في بنائها وترسيخها على مر السنين، كما أن لديها البيانات والبحوث حول مؤيديها وأفضل السبل للوصول إليهم. فهي أكثر تنظيماً من الناحية اللوجستية والإدارية وأكثر دهاءً وخبرةً بشأن الانتخابات والحملة الانتخابية، كما أنها تمتلك المزيد من التمويل مقارنةً بأحزاب القاعدة الشعبية أو الأحزاب الشبابية التي لا تزال في بداية طريقها نحو التطوير واكتساب القوة.

وفي نهاية المطاف، يبدو أن التغيير الذي تطالب به مصر ما زال غير محدد الأبعاد بشكل كبير. كما أن الحاجة إلى مزيد من النقاش والجدل والاهتمام من جانب وسائل الإعلام بالقضايا الجوهرية ستلعب دوراً محورياً في تحديد الخطوة التالية لشعب مصر.

الصورة مهداة من monasosh بموجب رخصة المشاع الإبداعي.

Previous
Previous

Somalis Become Victims of Al-Shabaab's Violence Twice Over

Next
Next

الموجز السياسي: احتجاجات البحرين