الموجز السياسي: الوضع في ليبيا
أحدث الأخبار (18/4/2011):
مصراتة، ثالث أكبر مدينة في ليبيا، لا تزال تشكل محور التوتر الدائر بين المتمردين والقوات الموالية للحكومة. إذا واصل المتمردون الحفاظ على مصراتة، فسيحتفظون بالسيطرة على الموانئ الرئيسية في غرب ليبيا، كما سيكونون قادرين على سد الطريق السريع الساحلي الذي يربط طرابلس بمدينة سرت، مسقط رأس القذافي. على مدى الشهرين الماضيين، ظلت مصراتة والمناطق المجاورة لها محاصرة في إطار من العنف، شمل القصف والهجمات الصاروخية والتعذيب وإطلاق النار العشوائي، الذي أودى بحياة طفلة في الرابعة من عمرها يوم الأحد، إلى جانب هجمات على مستشفى المدينة. والمستشفى لا يزال تحت سيطرة الحكومة، مما يحتم إقامة عيادات متنقلة في جميع أنحاء المنطقة لمعالجة الأعداد المتزايدة من المصابين والجرحى من ذوي الحالات الخطيرة. وفي الوقت نفسه، بات الآلاف من العمال المهاجرين وعدد متزايد من الأسر المحلية في حاجة ماسة للمغادرة، إذ لم يعودوا قادرين على تحمل الأوضاع. فقد قُتل أربعون شخصاً أثناء انتظارهم في طابور الخبز بجوار الميناء الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى 17 شخصاً آخرين لقوا حتفهم في مصراتة يوم الأحد نتيجة لهجمات صاروخية موالية للحكومة، وفقاً للأطباء في مستشفى الحكمة. وعلى الرغم من بعض التعهدات من جانب الحلفاء الدوليين للمساعدة في عمليات الإجلاء، أبدى العديدون قلقهم من أنه في حالة رحيل الليبيين عن مصراتة، فلن يكون هناك ما يكفي من المدنيين لدعم وحماية المدينة من القذافي وقواته.
وفي الوقت نفسه، أجرى الاتحاد الأفريقي مناقشات مع القذافي وقوات المتمردين حول خطة السلام. وبحسب التقارير الواردة، أيد القذافي اقتراح الاتحاد، الذي يتضمن وقفاً لإطلاق النار وإنشاء ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية وبدء الحوار حول إصلاح النظام السياسي الليبي. ومع ذلك، فإن رئيس المجلس الانتقالي المعارض، مصطفى عبد الجليل، يؤيد المحتجين المناهضين للحكومة في الإصرار على أن يتضمن المقترح رحيل القذافي وأبنائه. وينظر العديد من الليبيين إلى علاقة القذافي بالاتحاد الأفريقي بعين الشك، بدافع عدم ثقتهم في الاتحاد والاتفاق الذي يحاول تنفيذه في محاولة لإنهاء حالة الجمود التي استمرت شهرين. تلقى هذه الشكوك صداها لدى حلف شمال الأطلسي ووزير الخارجية الإيطالي، في إشارة إلى أن قوات القذافي من غير المعروف عنها حفظ وعودها، ويجب ألا تكون جزءاً من المشهد السياسي القادم. ويستمر الشعب في التعبير عن خيبة أمله في حملة حلف شمال الأطلسي وتدخله، إذ يذكر أنه رغم سماع صوت طائرات الحلفاء تحلق في سماء ليبيا، يبدو أن قوات القذافي لم تعد تخشها.
في فبراير، وبعد 41 عاماً من حكم معمر القذافي، سيطرت الاضطرابات الشعبية على المدن الليبية واستبد النظام في عنفه ضد المتمردين. فكان من شأن ذلك أن فتح الطريق أمام أكبر تدخل عسكري دولي في المنطقة منذ حرب العراق. يطالب المتمردون – بأن يتخلى القذافي الذي ظل مستأثراً بكرسي الحكم منذ فترة طويلة – عن زمام السيطرة. ولكن، من خلال سلسلة من الخطب المفككة، أوضح القذافي أنه يفضل "الموت شهيداً" على التخلي عن السلطة. ومنذ ذلك الحين، فقد شن حرباً ضد المدنيين والمتمردين المسلحين الليبيين استمرت نحو شهرين تقريباً وأدت إلى إصابة واستشهاد واعتقال الآلاف.
تشمل أحدث التطورات عدة محاولات غير ناجحة حتى الآن لإجراء محادثات للسلام، كان آخرها محادثات تُجرى بوساطة الاتحاد الإفريقي غير أن المتمردين قد رفضوا المشاركة فيها لأنها لا تشترط رحيل القذافي. اقتراح آخر لم يحالفه الحظ تمثل في قيام اثنين من أبناء القذافي بإزاحة والدهما عن كرسي الحكم لإفساح المجال للديمقراطية الدستورية التي يقودها شقيقهما، سيف الإسلام القذافي. بفضل تعليمه في كلية لندن للاقتصاد وإجادته للغة الإنجليزية، كان يُنظر إلى سيف في مرحلة ما باعتباره رمزاً للجيل الجديد من الحكم، الذي يحمل معه احتمالات وضع حد للاستبداد الذي يفرضه والده. ولكن عندما اندلعت الاضطرابات في فبراير، أبدى سيف ارتباطه بتركه والده من الحكم الاستبدادي، وانضم إلى العقيد القذافي في إدانة الاحتجاجات متوعداً كل المشاركين بأنهار من الدماء المراقة.
وحين ضيقت قوات الحكومة الخناق على معقل المتمردين في بن غازي، أدت الهجمات البرية والبحرية من قبل القوات الأميركية والأوروبية ضد جيش القذافي إلى فرض منطقة حظر جوي على ليبيا وإلحاق خسائر جسيمة بأحد معاقل القذافي الأكثر أهمية في موطنه بمدينة سرت. وبالرغم من لحظات التقدم القليلة تلك، تعرض المتمردون للضغط المتزايد واضطروا للسيطرة على مدن النفط الإستراتيجية التي حزوا عليها، تحت حماية الغارات الجوية المتحالفة.
بدأت شرارة انتفاضات في فبراير في بنغازي، حيث اجتمعت المجموعة الرئيسية لمناهضي الحكومة، ثم امتدت إلى أماكن أخرى عدة بما في ذلك العاصمة طرابلس. واحتشدت الآلاف في "يوم الغضب" (17 فبراير)، فتعاملت معهم قوات الأمن والحرس الخاص والحشود المؤيدة للحكومة بالدخان والغاز المسيل للدموع وإطلاق النار والضرب والمزيد من الإكراه والعنف على أيدي قوات الأمن. احتج الليبيون ليس فقط على حكم القذافي التقييدي، الذي استمر في فرض الرقابة على وسائل الإعلام الرسمية وتقدم تغطية متحيزة للاحتجاجات، ولكن أيضاً على الظروف غير المقبولة التي ظلوا يعيشون فيها طويلاً. فحين أشار الثوار إلى الشوارع القذرة والأرصفة التالفة ومعدلات البطالة التي تتجاوز 30 في المائة، وجدت نبرة الغضب والاستياء الليبية صداها في جميع أنحاء المنطقة في صورة تدني مستويات المعيشة وآفاق المستقبل المظلم.
وجه القذافي أولى كلماته إلى المعارضة يوم 22 فبراير، من مقر إقامته من خلال خطاب طويل مفكك يُفهم منه أنه لن يتنحى أو حتى يفكر في إدخال الإصلاحات. وفي يوم 25 فبراير، استخدمت قوات الأمن الموالية للقذافي الرصاص الحي لتفريق الآلاف الذين تجمعوا بعد الصلاة في تحديهم الرئيسي الأول للحملة الأمنية في طرابلس. وفُرضت العقوبات الدولية على الفور على القذافي وبطانته من المستشارين بسبب الهجمات وبدأ التحقيق في جرائمهم على يد أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وفيما تشتد المعركة، تتوالى أعداد الشهداء من المتمردين في الازدياد. فالتقديرات الأخيرة، التي تعود إلى أكثر من شهر، تشير إلى وفاة أكثر من 1000 من المدنيين في اشتباكات مع القوات الموالية للحكومة، بينما تقدر هيومن رايتس ووتش أن ما لا يقل عن 370 شخصاً في عداد المفقودين في الجزء الشرقي من البلاد، ويشتبه في أن يكونوا محتجزين لدى الحكومة. يصعب حصر العدد الكلي الدقيق للقتلى والجرحى، نظراً للرقابة المفروضة على وسائل الإعلام وتقييد دخول الصحفيين الدوليين إلى ليبيا، وهو ما يقتصر في بعض الأحيان على مكالمات هاتفية قصيرة ومتقطعة مع جهة ما محلية. وتفوق أعمال العنف التي اندلعت خلال الشهرين الماضيين مثيلاتها التي شهدتها الانتفاضات الأخرى في المنطقة، إذ تشمل استخدام كل من الألغام المضادة للأفراد والألغام المضادة للمركبات، المحظورة في معظم البلدان.
وتتوالى التقارير المتعاقبة عن هزيمة المتمردين وانتصرهم. في 31 مارس، فر وزير الخارجية الليبي، موسى كوسا، إلى لندن، ومع ذلك، واصلت القوات تقدمها في مواجهة المتمردين. وفي الوقت نفسه، تعرضت قوات المتمردين لانتقادات حادة لعدم وجود خطة واضحة أو زعيم لها، ولاستمرار الخلاف بين أعضاء جيشها المؤقت. أما السلطات الدولية المعنية فقد باتت مغمورة في خضم النقاش حول تسليح قوات المتمردين وأفضل السبل لتجنب الحرب الأهلية الطويلة. ويحذر المراقبون الدوليون من أن تقدم المتمردين يمكن القضاء عليه بسهولة في حالة عدم وجود ائتلاف مستمر للدعم العسكري، مما قد يضطرهم للرضوخ إلى سلطة القذافي وأنصاره مرة أخرى.