قراءة فى خطاب أوباما الذى ألقاه من القاهرة

بقلم: هيباق عثمان•- مؤسس كرامة و صندوق المرأة العربية
(القاهرة- 4 يونية 2009)

اعتادت النساء فى الشرق الأوسط على الاستماع للكلمات المعسولة التى لا تتمخض عن أى فعل على أرض الواقع، ولذا يجب أن نتعقل و ألا نطلق العنان لسقف التوقعات لكل ما نسمعه من كلام. و لكن، يجب أن ندرك حقيقة أنه إذا ما كان هناك شخص واحد يمكن له أن يغير العلاقة بين مسلمى العالم والولايات المتحدة الأمريكية، فإن هذا الرجل هو الرئيس الأمريكى الجديد أوباما الذى يراهن عليه الجميع الآن.

لقد كنت أعمل على دراسة حقوق الإنسان و السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط و أفريقيا و آسيا منذ إدارة بوش الأب إلى بوش الابن ثم كلينتون و الآن أوباما أى تابعت الحال على مر فترات حكم أربعة رؤساء. و اليوم، أرى أن الرئيس باراك حسين أوباما قد طغى على كافة الرؤساء الذين سبقوه و هناك أسباب لذلك نعدها سويا.

هناك خمسة أسباب لذلك:

1- لغة أوباما التعبيرية بالجسد و الإشارات

تبدأ هذه اللغة بالطريقة التى كان يمشى بها أوباما و خطواته المتسارعة أثناء السير. إن الطريقة التى كانت يتحدث و هو ينظر بصورة مباشرة بكل بساطة و يسر تجعله يبدو كما لو كان أحد أفراد قبائل البدو فى الصومال، و نظراته المتمعنة المتفحصة كانت تشبه نظرات الفلاحين فى مصر مع كامل الاحترام. إن الإيماءات و غيرها من عناصر لغة الجسد الأخرى مثل الطريقة التى خلع بها الحذاء من قدميه و هو يدخل مسجد السلطان حسن و وضعية يديه و هو ينصت إلى المرشدة التى كانت تقص عليه تاريخ المسجد و طريقة استماعه إلى شرحها تنم عن أن إنسان تلقائى، و من ثم لم يبدو أوباما أجنبيا غريبا عن المكان و لكنه تعايش مع الأمور بصورة سريعة.

لقد لاحظت أيضا الطريقة البسيطة التى كان يتحدث بها إلى الرئيس مبارك. و على الرغم من أن المترجم كان يجلس على يساره، فقد كان أوباما ينظر إلى الرئيس مبارك الذى يجلس على يمينه كما لو كان يفهم و يعى كل كلمة ينطق بها الرئيس مبارك. و خلال جلسته لم يضع قدما فوق أخرى. و قام بتوديع الرئيس مبارك بصورة حميمية و ودية و كان ذلك واضحا فى اللحظة التى رأيناه فيها يربت على كتف الرئيس مبارك.

2-الاحترام

كلنا يتذكر تلك المقولة البذيئة التى تفوه بها الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش: " إما أن تكون معنا أو ضدنا" و التى اتضحت أنها لم يعد لها وجود الآن فى القاموس الرئاسى الأمريكى. فقد اتضح أن رسالة أوباما كانت تؤكد على التعاون بين الجميع فى مكافحة التطرف. و أشار إلى أن العالم العربى و الإسلامى و الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن يعملوا سويا فى إطار شراكة حيث أن آفة  التطرف تصيب الجميع بلا تمييز.

و لم يعتذر أوباما سواء عن الجرائم الفظيعة التى تم ارتكابها أو سياسة أمريكا الخارجية الملتوية تجاه الشرق الأوسط. لم يقل إن مثل هذه الأمور يمكن حلها، و لكنه قال يمكن أن نعمل على حلها. و قام باقتباس بعض الآيات من القرآن الكريم عدة مرات، و قام بتحية الحضور قائلا: "السلام عليكم". و عندما ذكر كلمة الأنبياء، قال: "عليهم السلام". و أكد أوباما على أهمية الاستماع و التعلم، و أوضح أنه استمع إلى ما يقوله العالم الإسلامى. و نحن بدورنا نقدر و نحترم منه ذلك. و من الأمور التى تمت ملاحظتها أن كافة الحضور وقفوا فى أماكنهم تحية لأوباما أثناء دخوله و خروجه من القاعة المخصصة لإلقاء الخطاب. و قام البعض من الحضور بترديد اسمه: " أوباما...أوباما".

و يتضح من الخطاب أن أوباما شخص على قدر عال من التثقيف و التعليم لدرجة أنه عندما يتحدث يشعر المرء بأنه صادق فى كلامه و أنه يخرج من قلبه و مستقيه بصورة مباشرة من قراءاته و معارفه. و كما نعرف فإن أوباما فى طفولته تعرض للفقر المدقع عندما كان يعيش فى إندونيسيا، و بالتالى فهو يعرف تماما ما هو الفقر و ما هو العمل بكد. و هو يعلم أيضا أن الأمور ممكن أن تكون أفضل مما هى عليه، و فى الحقيقة جعلنا نشعر بذلك. و إننى أرى أنه شخصية مؤثرة و ملهمة على المستوى الشخصى و يثير فى النفس مشاعر خاصة للغاية.

3- فلسطين و إسرائيل

إن تعليقات أوباما فيما يتعلق بالموقف بين فلسطين و إسرائيل أعطانا بصيصا من الأمل حول إمكانية حل هذا الصراع. و بدا من حديثه أنه يتفهم تعقيدات و حساسية هذه القضية. فقد أكد مجددا على أنه يجب أن يكون هناك وطن للفلسطينيين و أنه يجب على إسرائيل وقف بناء المزيد من المستوطنات الجديدة. و من هنا نجد أن ما قاله أوباما متوازن تماما فى هذا الشأن.

و استشعرت الكثير من الإيجابيات فى حديثه حول هذا الموضوع فعلى سبيل المثال استخدم كلمة "الفلسطينيين" عند الإشارة إلى الشعب الفلسطينى بالإضافة إلى استخدامه كلمة "فلسطين" التى يتجنب الأمركيون التلفظ بها.

4- حقوق المرأة

و عندما ركز أوباما فى جزء من كلمته على حقوق المرأة فى العالم الإسلامى تحدث بصورة جيدة للغاية حيث قال: " إن مهمتنا ليست أن نقول للنساء ما الذى ينبغى و ما لا ينبغى أن يرتدين، و لكن مسألة حرمان الفتيات من التعليم أمر غير مقبول. إن المجتمع الشامل هو بالفعل ذلك المجتمع الذى يدعم  و يحترم و يحمى حق المرأة فى حرية الاختيار. و من ثم، من الضرورى أن ننظر إلى مسألة حرية المرأة و ألا نحصرها فى مسألة ارتداء الحجاب و لكن النظر بالمعنى الواسع إلى حق المرأة فى اختيار كل شئ بما فى ذلك الممارسات الدينية  فيما يتعلق بنوعية الملابس و العمل، وحقها فى التعبير و تبوء مكانتها على الصعيد المدنى و حقها فى التعليم. إن المجتمع الذى يضمن حرية الملبس و الدين و التعبير السياسي،  لن تتعرض فى كنفه النساء للعنف أو القهر السياسى أو أى من أشكال القهر الأخرى.

و تحدث أوباما أيضا عن كيف أن البشرية جمعاء تتقدم فقط عندما يفجر كافة البشر كل ما لديهم من طاقات كامنة. و أكد أوباما أيضا أن كافة البشر خلقوا سواسية، و من ثم فإن الخدمات الصحية و التنمية الاقتصادية من الأمور الهامة للجميع. و إذا كان أوباما يحث فى هذا الجزء من كلمته على إعلاء حقوق المرأة، فنحن بدورنا نتوقع منه دعم الأمريكيات للوصول إلى التنفيذ التام لمعاهدة الأمم المتحدة للقضاء على كافة أشكال العنف ضد النساء (سيداو). و كما قال أوباما، لا يمكن لنا أن نلف أنفسنا فى عباءة الماضى، وإلا لن نستطيع أن نتقدم للأمام.

و الأكثر من مجرد احترام أوباما لمسألة المساواة بين الجنسين، نخلص من مجمل خطابه إلى حقيقة هامة ألا وهى أنه إنسان يهتم بحق بشئون المرأة حيث أنه يحب أمه و جدته و بناته وزوجته. وكما يبدو أنه إنسان يسهل الوصول إليه و التواصل معه ولذا نجده دائما يحظى بحب من حوله. و بكلماته جعل حقوق المرأة التى تكلم عنها أمرا سهل تحقيقه و نتمنى أن يتحقق ذلك. 

5- الديمقراطية

لقد تحدث أوباما فى خطابه بصورة بليغة عن مسألة الديمقراطية. و أشار أوباما إلى أن الاستعمار و التدخل فى شئون الدول خلال حقبة الحرب الباردة جعلت الأمم تتوقف فى مكانها و لا تنظر حتى لتطلعات شعوبها. و أوضح أنه بينما كانت الحرب الأمريكية على أفغانستان ضرورية و حتمية، فإن قرار الحرب الأمريكية على العراق كان اختياريا. و اعترف أوباما بأن الولايات المتحدة قد جانبها الصواب فى هذا الأمر و لكنه أكد أن الولايات المتحدة ليس لديها أية نية للاستمرار فى احتلال العراق. و شدد على أنه ملتزم بصورة تامة بأمرين هما: سحب القوات الأمريكية من العراق و إغلاق معسكر جوانتنامو للمعتقلين. 

لقد كانت رسالة أوباما بشأن الديمقراطية واضحة للغاية حين قال: " إننا لن نفرض السلام. و فى الحقيقة، لا يستطيع أحد أن يفرض السلام." و لكن فى الوقت ذاته نجد أن الديمقراطية لا تقل أهمية عن السلام. و عن الديمقراطية قال أوباما: " يلازمني اعتقاد راسخ أن جميع البشر يتطلعون لامتلاك قدرة التعبير عن أفكارهم وآرائهم فى أسلوب الحكم المتبع فى بلدهم ، ويتطلعون للشعور بالثقة فى حكم القانون وفى الالتزام بالعدالة والمساواة فى تطبيقه ، ويتطلعون كذلك لشفافية الحكومة وامتناعها عن نهب أموال الشعب ويتطلعون لانتخاب حكوماتهم بالصورة المناسبة. و بالتأكيد فإن الحكومات التى تحمى هذه الحقوق و تطبقها هى التى تتمتع بالاستقرار والنجاح."

و من الجدير بالذكر أن نشير إلى ما أكد عليه أوباما بشأن احترام الأقليات و الحق فى إقامة الانتخابات و الحق فى اختيار الرؤساء و الحق فى حرية العبادة و اختيار المرء لدينه. و أوضح أن رفض المرء لدين الأخر أمر غير مقبول و من شأنه أن يتسبب فى وقوع العنف.

و إننى أرى أنه بهذا الخطاب، استطاع أوباما و العالم الإسلامى أن يقطعا شوطا هاما للغاية نحو قبول بعضهما البعض و الدخول فى شراكة. و إذا ما استطاعت أمريكا أن تتغير و تنتخب بارك حسين أوباما، فإن المجتمعات الإسلامية يمكنها أيضا القيام بذلك و إحداث التغيير و نحن كذلك

•  الأستاذة/ هيباق عثمان هى ناشطة إنسانية ولدت فى الصومال، و هى مؤسس الرئيس التنفيذى لصندوق المرأة العربية، كما أنها مؤسس و رئيس كراما فى الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، و هى حركة تعمل على القضاء على كافة أشكال العنف ضد المرأة العامة و الخاصة..

Previous
Previous

اليوم العالمى للمرأة و قضية إنهاء العنف ضد النساء

Next
Next

هباق عثمان: كيفية مكافحة العنف ضد المرأة بعد الربيع العربي