المرأة العربية والتغيير الاجتماعي
كتبته ليلى حمارنة
مدير مشروع برابطة المرأة العربية، الأردن
سيُسجل هذا العام، 2011، في التاريخ بوصفه العام الذي أتى بالتغيير السياسي واسع النطاق في البلدان العربية. فبعد أن ضاقت الشعوب ذرعاً بالوضع الراهن وأثار حفيظتهم الإحباط والخوف الناجمين عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وتضاؤل الفرص الاقتصادية، ثار المواطنون من عدة دول عربية، من بينهم عدد كبير من الشباب، في مصر وتونس والبحرين واليمن والعراق وليبيا والأردن والكويت وسوريا، مطالبين، أولاً وقبل كل شيء، بالديمقراطية والحرية.
لعبت المرأة دوراً نشطاً في طرح عملية التغيير. على مدى سنوات، دعت المرأة إلى الإصلاحات السياسية والقانونية والمؤسسية والدستورية فيما يخص حقوق المرأة من خلال المبادرات المحلية التي نفذتها المنظمات النسائية غير الحكومية والتعاون الإقليمي الذي عزز المساءلة المتبادلة والتشارك في أفضل الممارسات، والتحليل الاستراتيجي، وأخيراً، المناصرة والتدخل الدوليين، التي تبرز في كثير من الأحيان من خلال التقارير والتوصيات المقدمة إلى هيئات الأمم المتحدة. وتطالب المرأة حالياً بتوسيع نطاق انتشارها ونفوذها في قلب عملية التحول التي تجتاح الدول العربية في رد فعل على عقود من الحرمان من حقوق الإنسان.
شكَّل الاحتفال بيوم 8 مارس، وهو الذكرى المائة ليوم المرأة العالمي، فرصة هامة للمرأة العربية لتذكير الناس بالظلم والفوارق التي تحتاج إلى التصحيح في عملية التغيير. ورغم التقدم الكبير الذي تحقق في مجالي التعليم والعمل، كما في حالة الأردن، فإن حقوق النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان الأساسية لم تتغير. ذكَّرت احتفالات 8 مارس المرأة بقوة التضامن الدولي، والذي تجلى أيضاً من خلال إطلاق وكالة الأمم المتحدة للمرأة والفريق العامل الجديد التابع للأمم المتحدة الذي يختص بالتمييز ضد المرأة في القانون والممارسة والذي انطلق كنتيجة للضغوط اليقظة الرامية إلى زيادة الدعم. من وجهة نظري، ما حدث في تونس ومصر، وأثر هذه الأحداث على الدول العربية الأخرى هو بمثابة خطوة واضحة إلى الأمام على طريق حقوق المرأة. في مصر على وجه الخصوص، أوضحت الثورة أنه حين تشتد الخطوب، تقف المرأة مع الرجل جنباً إلى جنب. فقد وقفا سوياً على قدم المساواة في الاحتجاجات التي استمرت 18 يوماً في ميدان التحرير في القاهرة مطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية للجميع. وهذه هي نفس المطالب العامة للمرأة: المساواة بين الجنسين والحرية والعدالة الاجتماعية. ومن المهم جداً أن نلاحظ أن هذه الاحتجاجات كانت سلمية وأن الشعب دعا إلى قيام دولة مدنية ودولة علمانية. كل ذلك يصف فجراً جديداً لقيادات ومنظمي ونشطاء المرأة في الحركة، ولكل امرأة تسعى نحو تحسين الأوضاع والظروف.
يبزغ فجر جديد بعد سنوات مأساوية عديدة من ردود الفعل العنيفة، طغت خلالها المواقف السلبية تجاه المرأة المتولدة في جزء كبير منها عن هياكل السلطة الأبوية والأصولية، والشريعة الإسلامية على أي إنجاز حققته المرأة. على سبيل المثال، في الأردن، كان زعماء القبائل يتحالفون ضد حقوق المرأة. لكن الآن، اتخذت الأوضاع منعطفاً جديداً. وأخيرا صارت حقوق المرأة مطروحة على طاولة النقاش، ونظرا للأحوال الجديدة، نأمل أن تصبح ذات أولوية قصوى في عملية الإصلاح.
علينا ألا تتراجع. فلا يمكن التقدم في مجال حقوق الإنسان بوجه عام، مع الاستمرار في تجاهل احتياجات وأولويات المرأة. لا يمكننا العودة إلى ما كان عليه الحال قبل الثورة بحيث يظل يُنظر إلى المرأة ككيان مستقل لا تُمنح إلا جزءً بسيطاً من حقوق وكرامة الرجل. لن يكون هناك المزيد من التراجع، وأولئك الذين يرغبون في جذب عجلة التقدم إلى الوراء لن ينجحوا.
من أجل ضمان التأكيد على أهمية أطر عمل حقوق المرأة والحفاظ على المكاسب التي تحققت على مدى السنوات وتحقيق قوة دافعة من جراء الاضطرابات في المنطقة، على المرأة العربية الاستمرار في تذكير السلطات الإقليمية والدولية بأن قضايا المرأة والمساواة بين الجنسين بحاجة إلى حماية مضاعفة، خصوصاً في هذه الفترة الانتقالية. فبعد أسابيع قليلة من الانتفاضة المصرية، رأت المرأة، التي كانت لا تزال في مرحلة تعزيز المساواة في المعاملة، أن إنجازاتها الأخيرة على المحك. في الواقع، استبعدت مبادرة الإصلاح الرئيسية لتعديل مواد الدستور المصري المرأة من المشاركة في "اللجنة" المعينة لاقتراح التعديلات الدستورية. فإن كان ذلك مثالاً لما سيتبع، فعلى المرأة أن تبقى في حالة تأهب. فبريق التغير الاجتماعي الكاسح لابد ألا يطغى على مخاطر التراجع.
حالياً تشعر المرأة في الأردن بنوع من الالتزام تجاه شعبها، وهو شعور نشأ بعد أنشطة الثورات العربية التي تبعث على الوحدة. كما شاركت المرأة في مظاهرات للتعبير عن تضامنها مع الثوار في مصر وتونس، ومع أولئك الذين يناضلون الآن في ليبيا واليمن والبحرين. بالإضافة إلى ذلك، خرجت المرأة إلى الشوارع للمطالبة بإصلاحات – تحديداً إصلاحات قانونية وسياسية تؤثر على حقوق المرأة. في الأردن، كما هو الحال في معظم البلدان العربية، كان هناك تأخر في الاستجابة للنداءات من أجل حقوق المرأة التي تلتزم بالمعايير الدولية للمساواة بين الجنسين. وكانت هناك الكثير من الاتفاقيات والسياسات والتصريحات العلنية التي خرجت باسم حقوق المرأة، لكن تنفيذها تأخر بسبب عدد من العوامل، بما في ذلك الوصمات الثقافية والاجتماعية التي أصبحت سلوكاً شائعاً ضد المرأة.
للحفاظ على القوة الدافعة لاحتجاجات حقوق الإنسان والانتفاضات والمبادرات التي تحدث في جميع أنحاء البلدان العربية، أعربت الدول الأعضاء في منظمة المرأة العربية عن نواياها من أجل الإصلاح طوال الشهرين الماضيين، التي شاركت خلالها في مظاهرات تطالب بالإصلاحات السريعة، وشاركت في "الحوار الوطني" من أجل المساواة في معاملة المرأة من خلال رفع التحفظات على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. كما نظمت منظمة المرأة العربية أيضاً اجتماعات موسعة مع حكام ثلاث محافظات: الكرك وإربد وعمان من أجل البدء في حوار على مستوى الأمة لمناقشة تسريع تنفيذ حقوق المرأة. فالمرأة تخشى من أن تتوارى مطالبها بالمساواة وبحقوق المرأة خلف التغيرات واسعة النطاق المتوقعة من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان. ومن ثم تجتهد المنظمات النسائية والنشطاء للاستجابة لهذه المخاوف، في المقام الأول من خلال تطوير مبادرات جديدة وتعزيز البرامج القائمة بحيث تستجيب للبيئة الحالية واغتنام الفرص الجديدة المحتملة والأوضاع التي تطرأ.